قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري في آخر اجتماع لها بعام 2024 تثبيت أسعار الفائدة عند مستوياتها الحالية للمرة السادسة على التوالي دون تغيير، مع تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة.
وأبقت اللجنة على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة عند 27.25% و28.25%، وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي وسعر الائتمان والخصم عند 27.75%، وهي المعدلات المستقرة منذ مارس الماضي.
وقررت اللجنة أيضا تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من عام 2026 عند 7% (± 2 نقطة مئوية)، و5% (± 2 نقطة مئوية) في الربع الرابع من عام 2028، وذلك اتساقا مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم.
وبذلك أجل البنك المركزي مستهدفاته لانخفاض معدلات التضخم مدة عامين، إذ أعلن في اجتماع نوفمبر 2023 عن الوصول إلى تلك المستهدفات في الرابع الرابع من عامي 2024 و2026.
أوضحت اللجنة أسباب قرارها، وقالت إنه على الصعيد العالمي، واصلت البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة خفض أسعار العائد تدريجيا في ضوء استمرار تراجع معدلات التضخم، مع الإبقاء على سياسات التشديد النقدي، إذ إن معدلات التضخم المحققة لا تزال تتجاوز المستويات المستهدفة.
وأضافت معدل النمو الاقتصادي يتسم باستقراره إلى حد كبير، وتشير التوقعات إلى أنه سوف يستمر عند مستوياته الحالية، وإن كان لا يزال أقل من مستويات ما قبل جائحة كورونا.
وأشارت إلى أنه مع ذلك، تظل توقعات النمو عُرضة لبعض المخاطر ومنها التأثير السلبي للتشديد النقدي على النشاط الاقتصادي، والتوترات الجيوسياسية، واحتمالية عودة السياسات التجارية الحمائية.
وبالنسبة للأسعار العالمية للسلع الأساسية، فقد شهدت تقلبات طفيفة في الآونة الأخيرة، وتشير التوقعات بانخفاض محتمل في أسعارها، وخاصة منتجات الطاقة.
وتابعت اللجنة بأنه مع ذلك، لا تزال المخاطر الصعودية تحيط بمسار التضخم، بما في ذلك اضطرابات التجارة العالمية والتأثير السلبي لأحوال الطقس على الإنتاج الزراعي.
أما على الصعيد المحلي، أفادت المؤشرات الأولية للربعين الثالث والرابع من عام 2024 باستمرارية تعافي النشاط الاقتصادي، مع تسارع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي مقارنة بالربع الثاني من عام 2024.
وأضافت أنه مع ذلك، يظل الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي أقل من طاقته القصوى، مما يدعم الانخفاض المتوقع في التضخم خلال عام 2025، ومن المتوقع أن يحقق طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026.
وفيما يتعلق بالأجور، لا تزال الضغوط التضخمية الناجمة عنها محدودة في ظل ضعف معدل النمو الحقيقي للأجور.
التضخم والسلع الغذائية
أكدت اللجنة أن المعدل السنوي للتضخم العام شهد استقرارا خلال الثلاثة أشهر الماضية، وتراجع في نوفمبر 2024 إلى 25.5٪ نتيجة انخفاض أسعار المواد الغذائية.
وسجلت أسعار المواد الغذائية الأساسية والخضروات الطازجة أدنى معدل تضخم سنوي لها فيما يقرب من عامين عند 24.6٪ خلال نوفمبر 2024.
فيما ارتفعت الأسعار المحددة إداريا للسلع غير الغذائية، بما في ذلك منتجات الوقود والنقل البري ومنتجات التبغ، بما يتسق مع إستراتيجية زيادة الإيرادات الرامية إلى الحد من العجز المالي.
وفي ظل ذلك، انخفض المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 23.7٪ في نوفمبر 2024 مقابل 24.4٪ في أكتوبر 2024.
وذكر المركزي أن هذه النتائج تشير -جنبا إلى جنب مع تحسن توقعات التضخم وعودة معدلات التضخم الشهرية إلى نمطها المعتاد- إلى أن التضخم سوف يواصل مساره النزولي.
توقعات التضخم وتعديل المستهدفات
قالت اللجنة إنه بعد عامين من الارتفاع الحاد في معدلات التضخم عالميا، بدأ التراجع في الاقتصادات المتقدمة والناشئة، وإن كان لا يزال أعلى من معدلاته المستهدفة.
وأضافت أنه بالمثل في مصر، بدأ معدل التضخم العام في التراجع خلال الآونة الأخيرة، إلى متوسط 26% في الربع الرابع من عام 2024، متخطيا بذلك المعدل المستهدف للبنك المركزي البالغ 7% (± 2 نقطة مئوية).
وأرجع المركزي هذا الارتفاع إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية المحلية والعالمية خلال الفترة بين عامي 2022 و2024.
1- تراكم الاختلالات الخارجية نتيجة ارتفاع الأسعار العالمية للمواد الغذائية خلال عام 2021، والتضخم المستورد، وتخارج استثمارات حافظة الأوراق المالية عقب اندلاع الصراع الروسي الأوكراني.
1- صدمات العرض المحلية وعدم ترسيخ توقعات التضخم.
3- إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة بهدف التشديد المالي ووضع الدين على مسار نزولي.
وأوضحت أنه هذه التطورات -مع تحركات سعر الصرف- أدت إلى تخطي التضخم معدله المستهدف، إذ بلغ المعدل السنوي للتضخم العام ذروته عند 38% في سبتمبر 2023 قبل انخفاضه إلى 25.5% في نوفمبر 2024.
وبدءا من مارس 2024، اتخذ البنك المركزي المصري عددا من الإجراءات التصحيحية بهدف استعادة استقرار الاقتصاد الكلي، مما أدى إلى احتواء الضغوط التضخمية وخفض التضخم العام.
ومن أبرز هذه الإجراءات السياسة النقدية التقييدية التي اتبعها البنك المركزي، وتوحيد سوق الصرف الأجنبي مما ساعد على ترسيخ توقعات التضخم، وجذب المزيد من تدفقات النقد الأجنبي.
وأكدت اللجنة أنه رغم ذلك، تتضمن المخاطر المحيطة بالتضخم احتمالات تفاقم التوترات الجيوسياسية، وعودة السياسات الحمائية، وزيادة تأثير إجراءات ضبط المالية العامة.
وتوقعت اللجنة تراجع التضخم بشكل ملحوظ بدءا من الربع الأول من عام 2025 مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، مشيرة إلى أن التضخم سوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026.
وبالنظر إلى توقعات التضخم وتطوراته الشهرية، ارتأت لجنة السياسة النقدية أنه من المناسب تمديد الأفق الزمني لمستهدفات التضخم، ومن ثم إتاحة مجال لاستيعاب صدمات الأسعار دون الحاجة للمزيد من التشديد النقدي، وبالتالي تجنب حدوث تباطؤ حاد في النشاط الاقتصادي.
وبناء على ما تقدم، رأت اللجنة أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي دون تغيير يعد ملائما حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة.
وأشارت إلى أنه سوف تتخذ قراراتها بشأن مدة التشديد النقدي ومدى حدته على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات.
ونوهت أنها سوف تواصل مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية.
وأكدت اللجنة أنها لن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى معدلاته المستهدفة من خلال الحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب واحتواء الآثار الثانوية لصدمات العرض.