عام مضى على تجميد السعر الرسمي للدولار في البنوك، تراجعت من قبله الاستثمارات المباشرة وتدفقات النقد الأجنبي إلى مصر، ما خلف أزمة اقتصادية كبرى دفعت الدولة إلى البحث عن حلول واتخاذ إجراءات جريئة.
قرارات لضبط السياسة النقدية اتخذها البنك المركزي في 6 مارس 2024 استهدفت مرونة سعر الصرف وفقا لقوى العرض والطلب -بلغت حد تعويم الجنيه في عام 2016- مع رفع كبير لأسعار الفائدة دفعة واحدة بهدف السيطرة على التضخم بشكل أساسي.
قبل ذلك بأيام عقدت الحكومة أكبر صفقة استثمارية في تاريخها وهي اتفاق مشروع مدينة رأس الحكمة مع دولة الإمارات بما يوفر لمصر 35 مليار دولار خلال شهرين، ويقضى على أزمة شح الدولار التي تعاني منها الدولة وتستغلها السوق السوداء.
في ظل هذه القرارات يترقب المواطن انخفاض الأسعار التي تضاعفت وارتفعت لمستوى تسعير دولار السوق السوداء عند 70 جنيها قبل تراجعه، فيما تضع الحكومة نُصب أعينها حتمية نجاحها في مواجهة الأزمة.
ومع تشابه قرار "تعويم الجنيه" بين عامي 2016 و2024 يستعرض "بنوك مباشر مصر" مسار خفض قيمة العملة المصرية في 4 قرارات لتحرير سعر الصرف خلال 7 سنوات، تراجعت معها قيمة الجنيه بنسبة 464%.
• تعويم الجنيه بعد حكم 30 عاما وثورتين (2016)
بدأت مصر في عام 2016 مرحلة استقرار سياسي، وكذلك استقرار أمنى –إلى حد كبير- بعد 5 أعوام شهدت أحداث ثورة 25 يناير 2011 التي أزاحت الرئيس الراحل حسني مبارك من ثلاثين عاما في الحكم، وثورة 30 يونيو 2013 التي أزاحت حكم الإخوان بعد عام واحد.
واتجهت الدولة إلى وضع برنامج إصلاح اقتصادي شامل يستهدف خفض الدعم الحكومي تدريجيا وتحرير سعر صرف الجنيه أمام العملات الأجنبية، مع بلوغ التضخم السنوي العام لإجمالي الجمهورية 19.42% في نوفمبر 2016 وارتفاعه إلى 30.91% خلال 5 أشهر.
وفي 3 نوفمبر 2016 جاء قرار تحرير سعر الصرف في عهد محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر، مع رفع أسعار الفائدة 3% لتصل إلى 14.75% للإيداع و15.75% للإقراض.
وانخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار في اليوم الأول بنسبة 66%، حيث ارتفع الدولار من 8.79 إلى 14.65 جنيه.
وعلى مدار شهر انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 106%، حيث ارتفع الدولار في 30 نوفمبر 2016 إلى 18.14 جنيه.
• تداعيات عالمية تؤثر على الاقتصاد (2022)
وفي أكتوبر 2022 تصاعدت التداعيات الاقتصادية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورنا، وأرغمت الحكومة والبنك المركزي المصري على اتخاذ إجراءات إصلاحية لضمان استقرار الاقتصاد الكلي وتحقيق نمو اقتصادي مستدام وشامل.
وقرر المركزي تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل العملات الأجنبية الأخرى لتعكس قيمته قوى العرض والطلب، في إطار نظام سعر صرف مرن، مع إعطاء الأولوية للهدف الأساسي للبنك المركزي المتمثل في تحقيق استقرار الأسعار. بحسب ما أعلنه آنذاك.
وتضمنت قرارات البنك المركزي رفع أسعار الفائدة 200 نقطة أساس (2%) لتصل إلى 13.25% للإيداع و14.25% للإقراض.
وتزامن قرار المركزي مع إعلان الحكومة عن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج تمويل بقيمة 3 مليارات جنيه لمدة 4 سنوات، يترتب عليه حزمة تمويل إجمالية تصل إلى 9 مليارات جنيه، في إطار استكمال برنامج الإصلاح الاقتصادي الشامل.
وفي 27 أكتوبر انخفضت قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 16% ليرتفع سعر الدولار من 19.76 إلى 23.00 بنهاية اليوم.
وعلى مدار شهر تقريبا انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 24.5% ليصل الدولار في 30 نوفمبر إلى 24.61 جنيه.
• استكمال خفض قيمة الجنيه (2023)
بعد شهرين تقريبا من تحول سعر الصرف إلى نظام مرن يعكس قوى العرض والطلب، لم يحقق القرار الهدف المرجو منه، حيث لم تصل قيمة الجنيه أمام الدولار إلى المستوى الذي يقضي على السوق السوداء.
وفي 4 يناير 2023 تحركت أسعار الصرف مجددًا، لتنخفض قيمة الجنيه أمام الدولار بنسبة 6.7% خلال يوم، ويرتفع الدولار من 24.80 إلى 26.48 جنيه بنهاية اليوم.
وعلى مدار شهر تقريبا انخفضت قيمة الجنيه بنسبة 21.9% ليرتفع إلى 30.23 جنيه في 31 يناير.
ومع بداية مارس 2023 لجأت الدولة في ظل تداعيات سياسية واقتصادية إلى تجميد سعر الدولار أمام الجنيه في البنوك بعدما تجاوز مستوى 30 جنيهًا.
وفي يوم 9 مارس 2023 تجمد سعر الدولار أمام الجنيه عند مستوى 30.83 شراء و30.96 بيع، وهو أعلى سعر استقرت عليه البنوك آنذاك تقريبا.
• تعويم بعد عام من التجميد وشح النقد الأجنبي (2024)
مع بداية عام 2024 بلغت الأزمة الاقتصادية في مصر ذروتها مع شح النقد الأجنبي وارتفاع التضخم وصعود الدولار إلى 70 جنيها في السوق السوداء مقابل نحو 31 جنيها في البنوك.
الأزمة دفعت الدولة إلى جلب صفقات استثمارية كبرى أبرزها مشروع مدينة رأس الحكمة لبدء سيطرة القطاع المصرفي، ومنافسة السوق السوداء في توفير النقد الأجنبي، مع اتخاذ إجراءات مرونة سعر الصرف وعقد اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي يرفع قيمة قرض 2022 إلى 8 مليارات جنيه بدلا من 3 مليارات.
استهدفت إجراءات البنك المركزي هذه المرة محاربة التضخم بشكل أساسي، حيث ارتفع التضخم السنوي العام لإجمالي الجمهوية إلى 36% في فبراير 2024.
وتحرك سعر الدولار الرسمي في البنوك العاملة في مصر، يوم الأربعاء 6 مارس 2024، وذلك لأول مرة منذ يوم 9 مارس 2023، مع رفع الفائدة 6% دفعة واحدة لتصل إلى 27.25% للإيداع و28.25% للإقراض.
وبنهاية أول يوم من تحرير سعر الصرف انخفضت قيمة الجنيه بنحو 60%، ليرتفع الدولار من 30.95 إلى 49.56 جنيه.
وتراجع الدولار في اليوم الثاني بنسبة طفيفة بلغت في المتوسط 10 قروش، لتدخل السوق المصرفية مرحلة جديدة من مرونة سعر الصرف وفقا للعرض والطلب، بهدف وجود سعر صرف موحد يقضي على السوق السوداء.
مع الإجراءات الجديدة والخطوات الجريئة من الحكومة والبنك المركزي للخروج من الأزمة الاقتصادية يترقب المواطن انخفاض الأسعار التي تضاعفت بشكل كبير، فيما تضع الحكومة نُصب أعينها حتمية نجاحها في مواجهة الأزمة.
اقرأ أيضا
استثمار 150 مليار دولار.. تفاصيل الاتفاق المالي بين مصر والإمارات لتنفيذ رأس الحكمة